جورج إيستمان وشركة كوداك ونشأة تصوير المُستهلِك
كُرِّمَ في مركز كوداك في روتشيستر بنيويورك في3 من أكتوبر 2022
لن نشغل بالنا اليوم بشيءٍ سوى التقاط الصّور. تسمح الآن هذه الأجهزة صغيرة الحجم للكثير من سكان العالم بالتقاط الصّور. حسب بعض التّقديرات، يتمّ التقاط ما يقرب من 5 مليارات صورة ٍ يوميًّا. لو كان جورج إيستمان حيًّا، لكانت تملّكت منه الغيرة، لكنّه أيضًا كان سيكون فخورًا. إنّه المسؤول عن جعل التّصوير الفوتوغرافيّ متاحًا للجميع إلى حدّ كبير.
كان جورج إيستمان يخطّط لقضاء إجازةٍ في منطقة البحر الكاريبي في عام 1878. وكان يريد التقاط الصّور، لكنّ الأمر لم يكن سهلًا. فقد كانت الكاميرا الّتي اشتراها للرّحلة بحجم فرن الميكروويف. كما كانت المواد الكيميائيّة والمستلزمات الأخرى الّتي كانت لازمةً لتحميض الصّور أكثر تعقيدًا. جعلته هذه التّجربة عازمًا على العثور على وسيلةٍ أفضل. خلال السّنوات التّالية، أجرى إيستمان تعديلاتٍ على المواد الكيميائيّة والمعدات لجعل التصوير أسهل، بحيث يمكن حتّى للطّفل التقاط الصّور. وأخيرًا، أحدثت الشّركة الّتي أسّسها إيستمان كوداك ثورةً في التّصوير الفوتوغرافيّ. بفضل التّطوّرات الّتي حقّقتها الشّركة، أصبح حجم الكاميرات أصغر، كما أصبح إنتاج الأفلام وتحميضها أسهل. ونتيجةً لذلك، أصبح التّصوير الفوتوغرافيّ، الّذي كان في البداية تقنيةً يستمتع بها قلّةٌ مختارةٌ من النّاس، ممكنًا لعامّة النّاس.
المحتويات
العمليّة الصّعبة
أول براءة اختراع
إلقاء الطُّعم للمستهلكين
فيلمٌ أفضل
نبذة عن تاريخ جورج إيستمان
الأحداث الرّئيسية في رحلة تطوير التّصوير الفوتوغرافيّ
تكريم المعلّم والاعتراف بالفضل
العمليّة الصّعبة
في عام 1878، كان إيستمان البالغ من العمر 24 عامًا يخطّط لاستخدام عمليّة "الكولوديون الرّطب" لالتقاط الصّور خلال رحلته إلى البحر الكاريبيّ.
يتذكّر إيستمان فيما بعد أنّ هذه التّقنية تحتاج إلى "أَخْذِ طبقٍ زجاجيٍّ نظيفٍ للغاية، وتغطيّته بمحلولٍ رقيق ٍ من بياض البيض، كان هذا لجعل المستحلب التّالي لزجًا، ثمّ نغطّي الطّبق بمحلولٍ من القطن والكحول مخلوطٍ بأملاح البروميد. عندما يصبح المستحلب جاهزًا ورطبًا قليلاً، نضع اللّوحة في محلول من نترات الفضّة، وهو عامل التّحسس، ويجب إتمام هذه العمليّة في الظّلام. توضع اللّوحة المبلّلة والمحميّة من الضّوء في الكاميرا. الآن يمكننا التقاط الصّورة". لقد كانت عمليّةً فوضويّةً تستغرق وقتًا طويلًا.
كبديلٍ أفضل، انتقل إيستمان سريعًا إلى استخدام عمليّة مستحلب الألواح الجافّة. في هذه التّقنيّة، نطلي الألواح الزّجاجية بمستحلب جيلاتين من بروميد الفضّة ثمّ نجفّفها. يمكن تحضير هذه الألواح ثابتة الشّكل مسبقًا وتخزينها، بدلًا من الاضطرار إلى تحضيرها قبل تعرّضها للضّوء مباشرةً. تتمتّع هذه الألواح أيضًا بميزة أخرى تتفوّق بها على ألواح الكولوديون الرّطبة، إذ لا يلزم تحميضها مباشرةً بعد التقاط الصّورة. تبنّى إيستمان التّحسينات الّتي أدخلها المصوّر البريطانيّ تشارلز بينيت، ما زاد من حساسيّة ألواح التّصوير،وأدّى بدوره إلى تقصير فترات تعرّضها للضّوء.
بينما شرع إيستمان في الأصل في هذا المشروع من أجل هوايته الخاصّة، سرعان ما بدأ يرى الإمكانيات التّجاريّة في تصنيع الألواح للمصوّرين الآخرين. أعطت مستحلباته الأوليّة نتائج مقبولةً، لكنّ وضعها باستمرار على ألواحٍ زجاجيّةٍ كان أمرًا صعبًا. كانت الطّريقة الّتي يتّبعها هي توزيع المستحلب السّاخن على اللّوح باستخدام عصًا. كانت لهذه الطّريقة نتائجٌ متغيّرةٌ، كما أنّها كانت تستغرق وقتًا طويلًا وغير فعّالة.
في سبعينيّات القرن التّاسع عشر، كانت أدوات التّصوير عادةً عبارة عن كاميرا خشبيّةٍ كبيرةٍ بعدسة عرضٍ وحاملٍ ثلاثيّ القوائم، ومجموعة من الألواح الزّجاجيّة مقاس10 × 12 بوصة، ومجموعة معقّدة من المواد الكيميائيّة والأحواض، وكذلك كثيرًا كان يُلاحظ وجود خيمةٍ لتحضير الألواح في مكان التّصوير. كان لا بدّ من تغطية كل لوح ٍ زجاجيٍّ هش بدقّة بمستحلب قبل تعريضه للضّوء بدقائق ثمّ تحميضه بعد فترةٍ وجيزةٍ".
صحيفة —The Globe and Mail، 13 من يونيو2000
أوّل براءة اختراع
دفع إحساس إيستمان الفطريّ بأنّ تطبيق هذا المنتج التّجاري سيؤدّي إلى نجاح حصوله على براءة اختراعه الأولى، US 503 (طريقة أو جهاز ألواح الطّلاء للاستخدام في التّصوير الفوتوغرافيّ)، الصّادر في 13 أبريل 1880. في هذه العمليّة 226،يتمّ غمر الأسطوانة المطاطيّة في حوضٍ من المستحلب الدّافئ، حيث يتمّ تعليق لوحةٍ زجاجيّةٍ بواسطة أكواب الشّفط. توجد ذراعٌ فوق الجزء العلويّ من الأسطوانة تحرّك الزّجاج، ويغطّي المستحلب الجزء السّفليّ من الزّجاج بالتّساوي. بعد أن يجفّ المستحلب، يتمّ تقطيع الزّجاج إلى قطع ٍ أصغر.
باستخدام عائدات ترخيص براءة الاختراع، بالإضافة إلى عائدات استثماره في شركة هنري أ. سترونج لتصنيع العربات الّتي تجرّها الدّواب، نجح إيستمان في تأسيس شركة إيستمان للألواح الجافّة، الّتي ستعرف لاحقًا باسم شركة إيستمان كوداك في 1 يناير1881 في روتشيستر بنيويورك.
بدأ إيستمان بعد ذلك بتجربة دعاماتٍ أخفّ من الزّجاج. كان كثيرٌ من المصوّرين المحترفين يستخدمون الألواح الزّجاجيّة، لكنّها كانت ثقيلةً ويصعُب نقلها. في عام 1885، جرّب إيستمان استخدام حاملاً لبكرات الأفلام يناسب حجم الكاميرات الموجودة مع طلاء مستحلب بروميد الفضّة مباشرةً على الورق الّذي تمّ لفّه. لكنْ بعد تعرّض الورق للضّوء وتحميضه، تقشّرت طبقة المستحلب من على الورق. وعلى الرغم من أنّها أكثر ملاءمةً من الشّرائح الزّجاجيّة، فقد تأثّرت جودة الصّورة بسبب انتقال حُبيبات الورق إلى النّسخة النّاتجة.
للتّغلب على هذه المشكلة، قام إيستمان أولًا بتغليف الورق بطبقة جيلاتينيّةٍ قابلة للذّوبان وغير حسّاسة للضّوء، ثمّ غطّاها بمستحلبٍ غير قابلٍ للذّوبان وحسّاس للضّوء. بعد تعرّضها للضّوء وتحميضها، تمّ فصل الطّبقة الّتي تحمل الصّورة بعيدًا عن الورقة ونقلها إلى ورقةٍ أخرى من الجيلاتين النّقيّ ووضْعِ طبقةٍ أخرى من الكلوديون. يمكن استخدام الصّور السّالبة النّاتجة لإنتاج الصّور، كما هو الأمر مع الألواح الزّجاجيّة.
على الرّغم من هذا النّجاح التّقنيّ، وجد إيستمان أنّ المصوّرين المحترفين ما زالوا يفضلون الألواح الزّجاجيّة على الأفلام الورقيّة، لذلك وجّه انتباهه إلى عامّة الناس.
إلقاء الطُّعم للمُستهلكين
في ذلك الوقت، كان التّصوير يحتاج إلى وجود كاميرا وفيلمٍ ووسيلةٍ لتحميض الفيلم. وكان إيستمان رائدًا في الإنتاج الضّخم لكلٍّ من الثّلاثة. تكمن عبقريّته في إنشاء نظامٍ تكنولوجيٍّ يمزج بين الأفلام والكاميرا والصّور الفوتوغرافيّة، وكلها مرتبطةٌ بشركاء تجاريين يمكنهم توزيع الكاميرات الجديدة والأفلام على قاعدة مستهلكين متحمسين ومتزايدين. كما هو الحال في ابتكاراته الأصليّة في صنع وسائل التّصوير الفوتوغرافيّ. فقد مكّن هذا النّظام شركة إيستمان كوداك من الإخلال بتوازن سوق التّصوير الفوتوغرافيّ الاحترافيّ التّقليدي، وإثبات مكانتها المُهيمنة خلال فترة ازدهار التّصوير الفوتوغرافيّ للمُستهلك القائم على الأفلام.
في عام1888، قدّم إيستمان كاميرا صندوقيّةً جديدةً، صغيرة الحجم ومحمّلةً ببكرة من الفيلم الورقيّ القابل للفكّ. بيعت الكاميرا مقابل 25 دولارًا (حوالي 760 دولارًا بعملة 2022). لاستخدام هذه الكاميرا لا تحتاج سوى الضّغط على الزّرّ لالتقاط الصّورة وتستطيع الكاميرا التقاط حتى 100 صورةٍ. وبعد الانتهاء من جميع عمليّات التّصوير، يتمّ شحن كاميرا كوداك إلى مدينة روتشستر، حيث تتمّ إزالة الفيلم ومعالجته وطباعته مقابل 10 دولاراتٍ (حوالي300 دولار اليوم). وبعد ذلك يتمّ وَضْعُ فيلمٍ جديدٍ في الكاميرا وإعادتها إلى العميل.
خلقت هذه الكاميرا المحمولة سوقًا جديدةً بين المصوّرين الهواة، فلم يعد التّصوير الفوتوغرافيّ مجالًا مقتصرًا فقط على المصوّرين المحترفين. لقد فصل إيستمان تمامًا التقاط الصّور عن معالجة الصّور، ومن هنا وُلِدَ شعار "اضغط على الزّرّ، ودع الباقي علينا".
على الرّغم من النّجاح التّجاريّ لكاميرا كوداك والفيلم الملفوف، كان إيستمان ما زال يريد تطوير دعم شفافٍ من شأنه أن يلغي الحاجة إلى تجريد المستحلب من الدّعامة الورقيّة. بحلول عام 1888، كانت الشّركات الأخرى تقوم بطلاء المستحلبات الفوتوغرافيّة الجافّة على ألواح السيلولويد، لكنّ السليلويد كان سميكًا جدًا بحيث لا يمكن استخدامه مع بكرات أفلام كاميرات كوداك.
فيلمٌ أفضل
في ذلك الوقت تمكّن كبير الكيميائيّين في شركة إيستمان هنري رايشنباخ من إنتاج محلول من النيتروسليلوز والكافور في الميثانول، الّذي عزّز السّليلويد ليصبح يمكن تحويله إلى أفلامٍ رقيقةٍ. أدّت إضافة زيت فيوزيل (كحول الأميل) وخلات الأميل إلى منع الكافور من التّبلّور أثناء تجفيف الفيلم. كان يتمّ طلاء محلول الفيلم هذا على طاولاتٍ كبيرةٍ مغطاة بالزّجاج. وعندما يجفّ الفيلم، يتمّ طلاء المستحلب الحسّاس للضّوء فوقه. يتمّ بعد ذلك تقشير كلّ من طبقة السّليلويد الشّفافة والمستحلب وتقطيعهما ولفهما لوضعهما في الكاميرات. ونتج عن هذا التّقدم ابتكار الصّورة السّالبة الشّفافة، الّتي لا تزال أساس التّصوير الفوتوغرافيّ القائم على الأفلام بعد أكثر من 130 عامًا.
سمحت هذه التّحسينات في لوازم إنتاج الصّور الفوتوغرافيّة بتصغير حجم الكاميرات نفسها. استطاعت شركة كوداك من خلال استخدام النّيتروسليلوز من طرح نموذج كاميرا قابلٍ للطيّ. وفي عام 1897، أصدرت الشّركة كاميرا بحجم الجيب. وفي عام 1900، طرحت كوداك كاميرا باسم "براوني"، بيعت هذه الكاميرا عام 1900 مقابل دولار واحد (35 دولارًا بعملة2022 ). كان يتمّ تسويقها بشكلٍ أساسيّ للأطفال، وبذلك حقّقت كاميرا براوني نجاحًا ساحقًا. جعلت عناصر التّحكم بالكاميرا البسيطة وبكرات الأفلام القابلة للاستبدال (مقابل 15 سنتًا لكل منها عام 1900، أو 5 دولارات بعملة 2022) الاستخدام أسهل بكثيرٍ، وعلى مدار السّنوات القليلة التّالية، بيعت الملايين من كاميرات براوني.
استمر إجراء التّحسينات على عمليّات إيستمان الأصليّة. عزّز التّحسّس الكيميائيّ من حساسية الضّوء لحبوب هاليد الفضّة، ما أدّى إلى تقليل وقت التّعرّض. أدّى التّقدّم في فهم طبيعة التّحفيز الذّاتيّ لتقليل هاليد الفضّة إلى تحسين المطوّرين. أصبح التّصوير الفوتوغرافيّ الملوّن ممكنًا من خلال صبغات حسّاسة خاصّة ومواد صبغيّة. أصبحت أسيتات السّليلوز والبوليمرات الأخرى بدائل أفلامٍ أكثر أمانًا لدعامات النّيتروسليلوز القابلة للاشتعال.
ومع ذلك، فإنّ كلّ هذه التّطوّرات كانت عمليّة جورج إيستمان الأساسيّة لطلاء هاليد الفضّة المثبت بالجيلاتين على دعامةٍ مرنةٍ. ولا تزال هذه العمليّة دون تغيير تُستخدم لإنتاج ملايين من بكرات الأفلام سنويًا.
نبذة عن تاريخ جورج إيستمان
وُلِدَ جورج إيستمان في 12 من يوليو 1854 في قريةٍ صغيرةٍ تُسمّى ووترفيل بنيويورك. انتقل عندما كان في السّادسة من عمره مع والده وعائلته للعيش في روتشستر. بعد عامين، توفى والد إيستمان تاركًا جورج ووالدته وشقيقتَيه الأكبر سنًا مفلسين تقريبًا. وعلى الرّغم من أنّه واصل تعليمه لبضع سنواتٍ أخرى بعد وفاة والده، أُجبِر جورج في النّهاية على ترك المدرسة في سنّ 14.
عمل جورج في وظائف كثيرةٍ، حيث كان عازمًا على مساعدة والدته في إعالة الأسرة. عمل ساعيًا للمكتب في شركة تأمين، حيث زادت مسؤوليّاته حتّى أصبح مسؤولاً عن تقديم وثائق التّأمين وأيضًا كتابة بعض السّياسات. لم يكن يجني الكثير من الأموال من هذه الوظيفة، لهذا كان يقضي المساء في دراسة المحاسبة. وأتت دراسته للمحاسبة ثمارها، ففي عام 1874تمّ تعينه موظفًا مبتدئًا في بنك روتشستر للتّوفير.
بعد بضع سنواتٍ من عمله في البنك، بدأ التّخطيط لقضاء عطلةٍ، الأمر الّذي ألهمه للتّفكير في شراء كاميرا لالتقاط صورٍ لمغامراته. لم ينجح قطّ في قضاء هذه العطلة، لكنّها أثارت فضول إيستمان حول التّصوير الفوتوغرافيّ. لم تكن حينها الكاميرا جهازًا يمكن حمله في أيّ مكانٍ. فقد كانت صندوقًا كبيرًا يتطلّب حاملًا ثلاثيّ القوائم، في حين كانت الألواح الزّجاجيّة المستخدمة في إنتاج الصّور تحتاج إلى أن تتمّ معالجتها بالمواد الكيميائيّة على الفور. كان إيستمان مصمّمًا على تبسيط هذه العمليّة المعقدة.
حيث عوّض قلّة إلمامه بعلم الكيمياء بقراءة المجلات ومقالات الصّحف حول المواد الكيميائيّة الّتي تُستخدم لالتقاط الصّور. واصل إيستمان العمل في وظيفته في البنك خلال النّهار، ولكن في الليل كان يستخدم مطبخ والدته كمختبرٍ، حيث يمكنه تجربة العمليّات الكيميائيّة المُستخدمة في التّصوير الفوتوغرافيّ.
كانت تُستخدم الكاميرات التّقليديّة في ذلك الوقت عمليّة الكولوديون الرّطب، لكن عمليّة الألواح الجافّة الجديدة كانت قد بدأت بالانتشار. طوّر إيستمان بنفسه نسخةً جديدةً من طريقة الألواح الجافّة، واكتشف أيضًا طريقةً لتحسين الأسلوب المتّبع لتحضير الألواح.
وفي عام1880 ، حصل على براءة اختراع لطريقته وبدأ بتصنيع الألواح في مكتب استأجره. بحلول عام 1881، كان لديه مستثمرٌ وأطلق شركة إيستمان للألواح الجافّة، ثمّ استقال من وظيفته لاحقًا في العام نفسه.
توسّعت شركة الألواح الجافّة بعد ثلاث سنواتٍ، لتدخل مجال صناعة الأفلام. وفي عام 1889، أسّس شركة إيستمان، وتمّ تغيير اسمها عام 1892 لتصبح شركة إيستمان كوداك.
لطالما كان إيستمان محبًّا للخير، وقد مكّنه نجاح شركته من مشاركة ثروته مع موظفيه ومع المنظمات التّعليمية والطّبيّة والفنيّة. توفي في 14 مارس 1932 عن عمر يناهز 77 عامًا.
ما الفكرة وراء هذا الاسم؟
لقد أثارت كلمة "كوداك" الكثير من التّكهّنات على مرّ السّنين، ولكن وفقًا لموقع الشّركة على الإنترنت "اخترعها إيستمان من العدم".
ونقل الموقع عنه قوله: "ابتكرت الاسم بنفسي". "كان الحرف "ك" حرفي المفضل، فهذا الحرف يبدو كما لو أنّه حرفٌ قويٌّ وحاسمٌ. وتحوّل الأمر إلى لغزٍ لتجربة ابتكار عددٍ كبيرٍ من الكلمات التي تبدأ بحرف "ك" وتنتهي به كذلك، واستمرت المحاولات حتّى توصّلت إلى كلمة "كوداك". تمّ تسجيل المصطلح كعلامةٍ تجاريّةٍ عام 1888، وهو العام نفسه الّذي طرحت فيه الشّركة كاميرا كوداك، وأصبح جزءًا من اسم الشّركة في عام1892 .
أراد [إيستمان] جعل التّصوير في متناول الجميع، أو كما قال: "أن أجعل الكاميرا سهلة الاستخدام كقلم الرّصاص".
—مجلة فوربس، 30 من نوفمبر 1998
الأحداث الرّئيسيّة في رحلة تطوير التّصوير الفوتوغرافيّ
استخدم البشر لآلاف السّنين الفنّ لإعادة تصوّر المشاهد والأشخاص والأغراض الموجودة حولهم. ابتداءً من رسومات الكهوف في العصور الأولى إلى المناظر الطّبيعية والصّور المرسومة في القرون التّالية، وصولاً إلى التقاط الصّور عن طريق استخدام آلةٍ يدويًا على السّطح. كانت دقّة هذه التّصوّرات الفنيّة تعتمد على مهارة الفنّان. ولكن بحلول القرن السّابع عشر، أصبح بإمكان أيّ شخص ٍلا يتمتّع بقدرٍ كافٍ من المهارة إعادة تصوّر أيّ مشهد بمصداقيّة باستخدام "حجرة تصوير". كان هذا الجهاز يعرض مشهدًا عبر عدسةٍ توجد في صندوقٍ على سطح ٍ، ما يسمح بتتبّع الصّورة بدقّةٍ. لم يكن من السّهل التقاط صورةٍ دقيقةٍ وتعيش للأبد. وتتطلّب ذلك اختراع التّصوير الفوتوغرافيّ.
لزم إجراء العديد من المحاولات للنّجاح في اختراع التّصوير الفوتوغرافيّ في نهاية المطاف، والّتي تشمل محاولاتٍ أكثر بكثير ممّا يمكن وصفها هنا. ولكن تمّ اكتشاف إحدى الخطوات الرّئيسيّة في عام1727 . لاحظ الطّبيب الألمانيّ يوهان هاينريش شولز أنّ المعلّقات الّتي تحتوي على نترات الفضّة تصبح داكنة عند تعرّضها لأشعة الشّمس.
وفي وقتٍ لاحقٍ، قام الكيميائيّ السويديّ كارل فيلهلم شيل بطلاء ورقة بكلوريد الفضّة، وتعريضها لضوء بألوانٍ مختلفةٍ ناتج ٍ عن تمرير ضوء الشّمس عبر منشورٍ. اكتشف حينها أنّ الضّوء البنفسجيّ يجعل الورقة أكثر قتامةً بسرعةٍ، وأنّ هذه القتامة ترجع إلى تراكم الفضّة المعدنيّة. يعتمد فيلم التّصوير الفوتوغرافيّ سواء كان أبيض وأسود أو ملونًا، على الاختزال الكيميائيّ الضّوئيّ لهاليدات الفضّة إلى معدن الفضّة.
الصّور الأولى
يعود الفضل إلى حدّ كبير إلى جوزيف نيسيفور نيبس، المخترع الفرنسي، في اختراع أوّل كاميرا فوتوغرافيّة عام 1816، والتقاط أوّل صورة فوتوغرافيّة دائمة بين عامَي 1862 و1827 . وذلك باستخدام عمليّة أطلق عليها اسم "الكتابة الشّمسيّة"، حيث عرّض نيبس الألواح المعدنيّة المطليّة بنوعٍ من الأسفلت لضوء الشّمس. حيث أصبحت المناطق الأكثر تعرّضًا للضّوء صلبة. بينما يمكن غسل مناطق الأسفلت غير الصّلبة الّتي لم تكن معرّضةً للضّوء تمامًا أو قليلة التّعرّض له بمذيباتٍ نفطيّةٍ. ينتج عن هذه العمليّة صورةً سالبةً، ولكنْ اعتمادًا على ظروف الإضاءة المحيطة، يُمكن رؤية صورةٍ إيجابيّةٍ. تحتاج الصّور الهليوغرافيّة المصنوعة بهذه الطّريقة إلى التّعرّض للضّوء لساعاتٍ أو حتّى أيّامٍ.
في ثلاثينيّات القرن التّاسع عشر، ساهم العالم الإنجليزيّ هنري فوكس تالبوت والرّسام الفرنسيّ لويس داجير بشكلٍّ مستقلٍ في إحداث تقدّم مهمّ في استخدام التّصوير الفوتوغرافيّ. قام تالبوت بطلاء الورق بمحلول ملح المائدة، ثمّ أضاف نترات الفضّة عليه. عند تعرّض الورق المطليّ بكلوريد الفضّة النّاتج للضّوء يصبح داكنًا. وعند وضع ورقةٍ من هذه الأوراق داخل حجرة كاميرا، كان يتمّ التقاط الصّورة على الورقة. كما هو الحال مع التّصوير الشّمسيّ، كانت تستمرّ فترات التعرّض للضّوء غالبًا لساعاتٍ طويلةٍ.
كانت معالجة الصّورة بمحلول الملح تُبطِئُ من سرعة تعتيم الصّورة المُلتقطة، ولكن هذا لم يكن كافيًا لجعل الصّورة دائمة. إنّ زيادة تعرّض الصّورة للضّوء يتسبّب في استمرار تحوّل كلوريد الفضّة إلى معدنٍ فضيٍّ أسود. لهذا يجب إزالة كلوريد الفضّة غير المتفاعل. وبناءً على نصيحة من زميل تالبوت الإنجليزي جون هيرشل، وجد أنّه يمكنه الاحتفاظ بالصّورة عن طريق إذابة كلوريد الفضّة غير المعرّض للضّوء في محلول ثيوسلفات الصّوديوم. أُطلِقَ على هذه العمليّة عمليّة "تثبيت" الصّورة، وأُشيرَ إلى الصّور الّتي تمّت بهذه الطّريقة باسم الصّور الورقيّة المملّحة.
التعرّض للضّوء لفترات أقصر
كانت عمليّة داجير تعالج ألواح الفضّة ببخار اليود، ما كان يؤدّي إلى تكوين طبقةٍ رقيقةٍ من يوديد الفضّة على سطح الألواح. كما كانت تحتاج أيضًا إلى التّعرّض للضّوء لفتراتٍ طويلةٍ لإنتاج صورةٍ مرئيّةٍ، لكن داجير اكتشف أنّه بعد دقائق قليلةٍ فقط من التّعرّض للضّوء تتكوّن صورةٌ باهتةٌ غير مرئيّةٍ. يمكن تحميض هذه "الصّور المعتّمة" عن طريق تعريض الألواح لبخار الزّئبق، الّذي يتكثّف بشكلّ تفضيليّ على المناطق المعرّضة للضّوء. كما يمكن أيضًا تثبيت صور الألواح بشكلٍّ دائمٍ باستخدام ثيوسلفات الصّوديوم.
تمّ الكشف عن عمليّة داجير للعالم عام 1839، وقد حقّقت حينها نجاحًا فوريًّا. فقد كانت فترات التّعرّض للضّوء القصيرة الّتي تتميز بها هذه الطّريقة والصّور النّاتجة عنها ذات التّفاصيل الرّائعة، الّتي كانت تُعرف باسم تصوير الدّغري، وهي مثاليّة للصّور الشّخصية. من عام 1840 إلى عام 1855، كان هذا هو الشّكل السّائد للتّصوير الفوتوغرافيّ في العالم.
في غضون ذلك، استمرّ تالبوت في تحسين عمليّته الخاصّة، وبدأ باستخدام يوديد الفضّة في وجود نترات الفضّة وحمض الغاليك كعامل اختزالٍ ضعيفٍ بدلاً من كلوريد الفضّة. أدّى ذلك إلى زيادة حساسيّة الورقة وتقليل فترات التّعرّض للضّوء لتصبح دقائق. كما أصبح يمكن استخدام ورق "الصّور السّالبة" شبه الشّفّاف النّاتج عن هذه الطّريقة لإخراج نسخ إضافيّة من الصّور عبر طريقة الطّباعة بالتّلامس. في المقابل، لا يمكن نسخ الصّور النّاتجة عن طريقة الدّاجيريّة إلّا عبر تصوير الأصل. أطلق تالبوت على الطّريقة الّتي ابتكرها اسم الكالوتيب، وأصبح استخدامها لنظام نسخ الصّور السّالبة/الإيجابيّة نموذجًا للتّصوير التّجاريّ من منتصف القرن التّاسع عشر وفيما بعد.
في عام 1847 ، استبدل ابن عم نيبس، أبيل نيبس دي سان فيكتور، الورق في عمليّة الكالوتيب بألواحٍ زجاجيّةٍ. كما طوّر استخدام الزّلال (بياض البيض) كحاملٍ ليوديد الفضّة. في عام 1851، ابتكر النّحّات والمصوّر الإنجليزي فريدريك سكوت آرتشر عمليّة يستخدم فيها الكولوديون الرّطب، والّذي استخدم فيها بدلًا من الزّلال محلول نترات السّليلوز في الأثير والكحول يسمى الكولوديون. ظلّت عملية الكولوديون الرّطب معيارًا لتحضير ألواح التّصوير لأكثر من25 عامًا. كانت تحتاج هذه العمليّة معدّاتٍ متطوّرةً، إلى جانب أن يكون للقائم عليها خبرةٌ في معالجة المواد الكيميائيّة، وذلك لأنّه كان لا بدّ من تحضير الألواح وجعلها حسّاسة للضّوء باستخدام نترات الفضّة قبل تعريضها للضّوء مباشرةً. كما كان يلزم وجود خيمةٍ لمنع تعرّض الألواح للضّوء مسبقًا.
الألواح الجافّة
صنع ريتشارد هيل نوريس أوّل لوح ٍجافٍّ، حيث قام بجعل ألواح الكولوديون حسّاسةً تجاه الضّوء ووضعها في محلول جيلاتينيّ، ثمّ قام بتجفيفها. أسّس عام 1857 شركة برمنغهام دراي كولوديون للألواح والأفلام، لكنّ ألواحه كانت تحتاج إلى التّعرّض للضّوء لفتراتٍ طويلةٍ جدًا. في عام 1871، ابتكر المصوّر والطّبيب الإنجليزيّ ريتشارد إل مادوكس عنصرًا حسّاسًا للضّوء عن طريق استبدال الكولوديون بالجيلاتين، واستخدام نترات الفضّة وبروميد الكادميوم. كان يُستخدم هذا المستحلب في طلاء الألواح الزّجاجيّة،ثمّ تجفّف بعد تعريض الألواح للضّوء. وبعد ذلك تتمّ معالجتها في محلول بيروجالول (1،2،3-ثلاثي هيدروكسي بنزين).
أعدَّ المصوّر البريطانيّ تشارلز بينيت عام 1878 ألواحًا جافّةً عن طريق تسخين مستحلب بروميد الجيلاتين والفضّة مع بروميد البوتاسيوم، ما تسبّب في إذابة البلورات الصّغيرة وإعادة ترسّبها لتشكيل بلوراتٍ أكبر. أدّى ذلك إلى زيادة حساسيّة ألواح التّصوير،ما جعل فترة تعرّضها للضّوء أقلّ من الثّانية الواحدة. نشر بينيت ملاحظاته في المجلّة البريطانيّة للتّصوير الفوتوغرافيّ، ومن هنا نشأ عصر الألواح الجافّة الجيلاتينيّة. أصبح يمكن تصنيع الألواح في موقع مركزيّ وبيعها للمصوّرين، ما جعل التّصوير الفوتوغرافيّ في متناول عددٍ أكبر من المصوّرين. نتج عن تبنّي جورج إيستمان لهذه التّقنيّة في النّهاية نشأة التّصوير الفوتوغرافيّ للمُستهلك.
تكريم المعلّم والاعتراف بالفضل
تكريم المعلّم
كرّمت الجمعيّة الكيميائيّة الأمريكيّة (ACS) مكان نشأة التّصوير الفوتوغرافيّ للمُستهلك بتخصيص ٍ من البرنامج الوطنيّ للمعالم الكيميائيّة التّاريخيّة (NHCL)، في حفلٍ أُقيمَ في مركز كوداك في روتشستر بنيويورك في 3 أكتوبر 2022. تنصّ اللّوحة التّذكاريّة على ما يلي:
جعل جورج إيستمان وشركة إيستمان كوداك الّتصوير الفوتوغرافيّ في متناول الجميع. كان التّصوير الفوتوغرافيّ قبل ابتكاراته مرهقًا، ويتطلّب معدّات ثقيلةً وهشةً ومجموعةً من المواد الكيميائيّة المُستخدمة في تحضير ألواح الّتصوير قبل الاستخدام مباشرةً. وكانت تقتصر عمليّة التّصوير الفوتوغرافيّ المعقّدة على قلّة مختارة. في ثمانينيّات القرن التّاسع عشر، طوّر إيستمان طريقةً سهلةً لتحضير الألواح الجاهزة للاستخدام. أدّت التّحسينات إلى إنتاج بكرات أفلامٍ سهلة الاستخدام، بالإضافة إلى ميزة معالجةِ الصّور وطباعتها عن طريق طلب البريد. التقط ملايين الأشخاص حول العالم الذّكريات باستخدام الكاميرات والأفلام، تاركين الأعمال الكيميائيّة لشركة كوداك. وكان شعار الشّركة يلخّص سهولة هذه العملية: "اضغط على الزّرّ، ودع الباقي علينا".
الاعتراف بالفضل
بقلم جيمس رينولدز.
يودّ المؤلّف أن يشكر المشاركين في هذا الكُتيب والمراجعين، الّذين ساعدوا جميعًا في تحسين محتواه، وخصوصًا أعضاء اللّجنة الفرعيّة لبرنامج NHCL التّابع لجمعية ACS.
أعدَّ قسم روتشستر بالجمعيّة الكيميائيّة الأمريكيّة (ACS ) التّرشيح لتّخصيص هذا المعلّم.
اطّلع على خطط الدّروس المكتوبة حول معالم معيّنة (باللّغة الإنجليزيّة).
تعرف على المزيد: حول برنامج المعالم .
شارك: رشّح معلمًا.
للتواصل مع مدير برنامج المعالم، أرسل رسالة بريد إلكترونيّ على: landmarks@acs.org.